بناء حكومات ذكية: استراتيجيات الحوكمة الرقمية في دول الخليج وخدمات تركز على المواطن

أغسطس 22, 2025 | القطاع العام

مقدمة: حتمية التحول الرقمي

تمثل الحوكمة الرقمية التقاء التكنولوجيا المتقدمة، السياسات الذكية، والممارسات الحديثة. تعمل هذه العناصر معًا على تغيير طريقة تقديم الخدمات الحكومية، وتطبيق الأنظمة، والتفاعل مع المواطنين. في عصرنا الذكي الحالي، لم تعد التكنولوجيا مجرد تحديثات بسيطة، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا في تحسين الكفاءة، وضمان الحوكمة الشفافة، وبناء الثقة مع المواطنين.

لقد أثبت المشهد العالمي أن التحول الرقمي لم يعد خيارًا بل ضرورة. فقد سرعت الجائحة هذا التحول، وأجبرت القطاعات العامة على رقمنة خدماتها بسرعة وتبني نماذج العمل عن بُعد. أظهرت الحكومات التي استثمرت في البنية التحتية الرقمية مرونة ملحوظة، في حين عانت الأنظمة التقليدية في الحفاظ على استمرارية الخدمات.

عندما تُستخدم التكنولوجيا بشكل حكيم، مدعومة بسياسات جيدة وتركيز على الإنسان، فإنها تُحدث تحولًا في تقديم الخدمات من إجراءات بيروقراطية بطيئة إلى تجارب سلسة تلبي احتياجات المواطنين وتوفر لهم قيمة حقيقية.

أسس الحوكمة الرقمية

تُحدث الحوكمة الرقمية تحولًا في نماذج الحوكمة التقليدية من خلال تسريع الإجراءات، وتعزيز الشفافية، وتوفير رؤى ذكية قائمة على البيانات لاتخاذ القرار.

تعالج هذه النماذج مشكلات الأنظمة اليدوية التي تعمل فقط خلال ساعات العمل وتتطلب الحضور الشخصي، حيث تُزيل المشكلات الورقية وتتيح تفاعلاً لحظيًا بين الحكومة والمواطنين.

تعود فوائد الحوكمة الرقمية على القطاع العام من خلال:

  • رفع الكفاءة عبر أتمتة المهام الروتينية وتقليل أوقات المعالجة.

  • تعزيز الشفافية عبر سجلات رقمية دقيقة تسهل تتبع القرارات.

  • بناء الثقة من خلال خدمات يسهل الوصول إليها، قابلة للتتبع، وتستجيب لاحتياجات المستخدمين.

كما تتيح الحوكمة الرقمية الحديثة للحكومات استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتخصيص الخدمات، وتوظيف تقنيات البلوكشين لتأمين البيانات وزيادة الشفافية وتقليل الفساد.

الإطار الاستراتيجي للتحول الرقمي في القطاع العام

يجب أن يُبنى أي تحول رقمي شامل في القطاع العام على أربعة ركائز مترابطة:

  1. أطر السياسات: تشكل العمود الفقري التنظيمي، لضمان توافق المبادرات الرقمية مع أهداف الحكومة في الشمولية، والابتكار، والمرونة التشغيلية. يجب أن تغطي حماية الخصوصية، والحقوق الرقمية، ومعايير الأمن السيبراني، وقابلية التشغيل البيني.

  2. تطوير البنية التحتية: يشمل أنظمة آمنة ومترابطة مثل الحوسبة السحابية، شبكات عالية السرعة، مراكز بيانات، ومنصات تكامل تربط بين الإدارات والجهات الخارجية.

  3. الاستثمار في رأس المال البشري: يتضمن تدريب الموظفين الحكوميين على المهارات الرقمية، وتوظيف المواهب التقنية، وإدارة التغيير الثقافي.

  4. بنية الأمن السيبراني: تشمل بروتوكولات أمان متعددة الطبقات، قدرات الاستجابة للحوادث، والتوافق مع المعايير الدولية.

تشمل التحديات الشائعة: صعوبة دمج الأنظمة القديمة، مقاومة التغيير المؤسسي، القيود المالية، والحاجة لاستثمارات مبدئية كبيرة. ويُعالج ذلك عبر قيادة قوية، تنفيذ تدريجي، ومشاركة الأطراف المعنية.

ريادة الإمارات ودول الخليج في الحوكمة الرقمية

تُعد الإمارات نموذجًا رائدًا في التحول الرقمي، وفق استراتيجية الحكومة الرقمية الوطنية 2025، التي تشمل ثمانية أبعاد استراتيجية منها: الشمول، الجاهزية الرقمية، التصميم الرقمي، والاعتماد على البيانات.

أما في السعودية، تتماشى استراتيجية الحكومة الرقمية 2023–2030 مع هذا التوجه، حيث تركز على مفاهيم مثل "مرة واحدة فقط" و"حوكمة البيانات"، مما يعزز الكفاءة في تقديم الخدمات.

تشير المؤشرات الوطنية إلى قفزات في الأداء:

  • نسبة الأداء الحكومي الرقمي: من 69.39% في 2021 إلى 87.14% في 2024.

  • مؤشر تجربة المستخدم الرقمي: من 77.26% (2022) إلى 88.04% (2025).

  • مؤشر التقنيات الناشئة: من 60.35% إلى 70.70%.

  • مؤشر المحتوى الرقمي: بلغ 71.40%.

وتطمح السعودية أن تكون ضمن أفضل ثلاث دول عالميًا في الحوكمة الرقمية بحلول 2030، بدعم من بنية تحتية اتصالاتية عالمية تحتل المرتبة الثانية عالميًا، مع تغطية إنترنت تتجاوز 99%.

أما خليجيًا، فتتبنى الدول استراتيجيات موحدة للبنية التحتية الرقمية، الذكاء الاصطناعي، والحكومة الذكية، مما يجعلها روادًا في الخدمات الحكومية الذكية.

البلوكشين: ثورة في الشفافية الحكومية

يمثل البلوكشين فرصة لتحويل الشفافية والثقة في القطاع الحكومي عبر:

  • الإمارات: تهدف استراتيجية البلوكشين الوطنية إلى تحويل 50% من المعاملات الحكومية إلى هذه التقنية بحلول 2031.

  • السعودية: منصة "اعتماد" أدخلت التحول الرقمي في المناقصات المالية، بأسلوب متوافق مع البلوكشين.

  • البيانات المفتوحة: منصة البيانات السعودية (SDAIA) توفر أكثر من 11,439 مجموعة بيانات تم تحميلها أكثر من 250,000 مرة.

كما تسعى دول الخليج إلى بناء إطار موحد لهوية رقمية، حوكمة البيانات، والخدمات البنكية المفتوحة، لتعزيز التكامل الرقمي العابر للحدود.

تصميم خدمات تتمحور حول المواطن

يتطلب التفاعل الفعّال مع المواطنين أدوات متقدمة، منها:

  • أنظمة جمع التغذية الراجعة من جميع نقاط التواصل.

  • بوابات بيانات مفتوحة تتيح الاطلاع على معلومات الحكومة.

  • بوابات خدمات رقمية موحدة لتقديم خدمات متعددة.

وتشمل وسائل تحسين الخدمة:

  • الأتمتة لإلغاء التأخير والأخطاء.

  • التخصيص بالذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجات كل فرد.

  • تصميم يراعي الهاتف أولاً لضمان الوصول من أي جهاز.

التميز في الخدمات الرقمية – تجربة الإمارات

تُعد UAE Pass منصة الهوية الرقمية الوطنية الرائدة، مع أكثر من 11 مليون مستخدم. توفر تسجيل دخول موحد بدون كلمات مرور، وتوقيع رقمي، وتحقق آمن باستخدام التعرف على الوجه، وتتيح الوصول لأكثر من 5,000 خدمة حكومية وخاصة.

عوامل النجاح في تطبيق الحوكمة الرقمية

  • قيادة سياسية واضحة وداعمة.

  • تمويل كافٍ للبنية التحتية والتدريب.

  • تنسيق بين الجهات الحكومية لتجنب التكرار.

  • مشاركة المواطنين في تصميم واختبار الخدمات.

  • تقييم مستمر وتحسينات دورية.

وتشمل إدارة المخاطر: الأمن السيبراني، تقليص الفجوة الرقمية، حماية الخصوصية، والاعتماد على التكنولوجيا مع وجود بدائل احتياطية.

الخاتمة: بناء حكومة رقمية للمستقبل

الحوكمة الرقمية ليست مجرد ترقية تقنية، بل هي إعادة تصور شاملة لآلية عمل الحكومات، مع ترسيخ قيم الثقة، الكفاءة، وتمكين المواطنين.

  • الإمارات: تحتل المرتبة الأولى عالميًا في البنية التحتية للاتصالات والحكومة الرقمية، وقد نفذت أكثر من 170 مليون معاملة رقمية في 2024.

  • السعودية: تحقق نضجًا رقميًا سريعًا، بمؤشرات أداء قفزت من 69.39% إلى 87.14%، ونسبة تغطية إنترنت تتجاوز 99%. كما تصدرت إقليميًا وثالثة عالميًا في نشر 5G.

منصات مثل أبشر، نفاذ، واعتماد تدعم ملايين المستخدمين، وتُمكن التحقق الآمن وتقديم الخدمات الإلكترونية والشفافية في المناقصات.

  • دول الخليج: البحرين، قطر، وعُمان يتقدمون في الحكومات الذكية والاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

ما الذي يُميز الحكومات الرقمية الرائدة؟

  • أطر سياسات متينة.

  • تقنيات شفافة كبلوكشين والذكاء الاصطناعي.

  • منصات تفاعلية تعزز المشاركة العامة.

  • شراكات استراتيجية لتسريع التحول.

  • تصميم مبتكر متوافق مع التنظيمات ويضمن الشمولية.

الحكومات في الخليج، بقيادة الإمارات والسعودية، لم تعد مجرد مقدمي خدمات، بل شركاء في بناء مجتمعات ذكية وشاملة وشفافة تخدم جميع المواطنين بكفاءة وعدالة.

جاهز للتحدث؟

جاهز للتحدث؟


اتصل بنا